بوح الحبر
د. الحبر عبد الوهاب
 
كثيرا ما مازحني صديقي وزميلي الصحفي اللبناني "مالك القعقور" بقوله: "آآي.. داير شنو يا زول؟.. عليك الله يا زول؟".. ثم يردف: " أنا ماشي أكتب الموضوع"، ثم يسألني عن أصل "آي"، وتركيب "أنا ماشي أكتب الموضوع"، كيف يكون "ماشي يكتب الموضوع؟"، أو "ماشي يرسم، أو يقرأ"؟ وهل يمكن أن أقول: "أنا ماشي أمشي البيت"؟
ولحسن حظ صديقي "مالك" أنني أتقبل "آي" هذه على سبيل المزاح مذ أن "شبكْنا" فيها المبدع "ناصر القصبي" في إحدى حلقات مسلسل "طاش ما طاش"! أقول لحسن حظه أنني أتقبّلها على "علّاتها"، لأن بعض إخوتي السودانيين لا يتقبلونها أبدا، خاصة إذا جاءت على سبيل التهكم من شخص غريب لا تربطك به صلة من نوع ما، كأن يقابلك أحدهم للمرة الأولى ويعترض طريقك ويصيح: "آآآي .. يا زول"! أقول ذلك لأنني عايشته كثيرا، ولديَّ صديق زميل صحفي يزداد "السُّكر" والضغط لديه بمجرد سماعه هذه "اللفظة" التي يكرهها ويكره قائلها مهما كانت نيَّته ودواعيها! ولا يقف الأمر على زيادة السكر والضغط، بل يتعداه إلى السب والشتم سائر اليوم، وقد يتحول الأمر إلى عراك إذا لم يعقل الطرف الآخر.
وقد أوضحت لصديقي مالك أن "آآي"، ليست بهذه المدود التي بالغ "القصبي" في "مطّها" حتى تعدَّت "الست" حركات! وأنها كلمة إنجليزية هي “aye”ومعناها "نعم". وقد ورد في قاموس كامبريدج في معنى الكلمة ما يلي:aye, adveb, old use or Northern, English or Scotish, another word for yes.
أما التركيب المشتمل على اسم الفاعل "ماشي"، وبعده فعل مضارع، مثل "ماشي أكتب" فهو تركيب مأخوذ من اللغة الإنجليزية كذلك، في سياق المضارع البعيد الدال على المستقبل. ومن المعلوم أن الإنجليزية تستخدم لصيغة المستقبل Will or shall، وصيغة أخرى هي صيغة " going to "، مثل: I am going to write something.
وهي نفسها في معنى "أنا ماشي"، لأن اسم الفاعل يحمل معنى الفعل المضارع، ومعناها هنا هو "سوف"، وبذلك يكون معنى العبارة " أنا ماشي أكتب" هو "سوف أكتب" أو "سأكتب"! أما الفعل "يمشي" بمختلف الضمائر التي تأتي معه فغالبا لا يُستخدم مع "ماشي"، لأن الجذر "مشى " واحد، واللغة الإنجليزية المأخوذة منها هذه الصيغة غالبا لا تستخدم "to go " مع "going"، وإن كانت العبارة صحيحة نحويا، لكن فيها زيادة وحشوًا، فنادرا ما نقول: "I am going to go to the market". والتي تترجم: "أنا ماشي أمشي السوق"!
اقتنع صديقي بما قلت، ثم أوضحت له أن السودان كان مستعمرا من قبل بريطانيا العظمى، وأن الإنجليز أسهموا كثيرا في تعليمنا، وهذه محمدة لهم، وأن اللغة الإنجليزية أثرّت كثيرا في اللهجة السودانية، لدرجة أننا كنا نسمع آباءنا يستخدمون كلمات إنجليزية كانوا يحسبونها عربية، مثل "الفيدريشن والبرلمان وكلزيوم والبوستة"، وأن الخرطوم ما زالت بعض أسمائها إنجليزية، مثل "سان جيمس وجاكسون"! وأنني ـ شخصيا ـ أحب لغتهم، كما أحببت طريقتهم في إدارة السودان في فترة استعمارهم، فهم ـ لا غيرهم ـ من ارتقى بالتعليم في السودان لمصافٍ عجز السودانيون أنفسهم بعدهم عن المحافظة عليها، كما أنهم أسّسوا لخدمة مدنية كانت نموذجا يُحتذى ثم تردّت بعدهم لدرجة مريعة. ويكفيهم محمدة أنهم تركوا الخرطوم تتنفّس بشوارع نظيفة وميادين فسيحة وحدائق غناء حولناها نحن لغابات نفايات وأسمنت وطوب وطمع!
              
             
          
0 التعليقات:
أضف تعليقك