 
            
غادرتنا بالأمس كتيبة الأبطال إلى نيروبي في مهمة جديدة قديمة.
نعم، هي جديدة بتاريخ اليوم والشهر والسنة، ولكنها قديمة متجددة بالحاضر والماضي في كل عام.
وها هو الهلال اليوم لوحده في ساحة الواجب، يحمل راية الوطن، يزود عنها بين أبطال أفريقيا، سفيراً لبلده ومفوَّضاً عنها، وناطقاً باسمها بين الفضائيات وكل وسائل التواصل.
في أعوام مضت كانت رحلاته تبدأ من معقله وقلعته الحصينة بأم درمان، حيث يخرج منها مكتمل العدة والعتاد المعنوي الذي يكتسبه من تشجيع جماهيره ودعواتهم.
واليوم تجبره ظروف الحرب أن يهاجر نازحاً بين المطارات والموانئ، تفصله عنا مراسي الشوق البعيدة، ولكن متى كانت المساحات والمسافات حائلاً بين الأحبة؟
ألم يقل شاعرنا الكبير صديق مدثر:
إن تكن أنت بعيداً عن يدي
فخيالي يدرك النائي القصيّا
نعم، ندرك بالخيال والأحلام هلالنا أينما حلّ وارتحل،
فقد كُتب علينا مكابدة الشوق كما كُتب عليه مكابدة هذا الارتحال ومجاهدة هذه المهام الجسام.
وكأنه كتائب سيف الدولة الحمداني، الذي خاطبه أبو الطيب قائلاً:
أين أزمعت أيّها الهمام؟
نحن نبتُ الرُّبى وأنت الغمام
في سبيل العُلى قِتالُك والسِّلم
وهذا المقامُ والأجذامُ
كل يومٍ لك احتمالٌ جديد
للمجد فيه مقامُ
إذا كانت النفوسُ كباراً
تعبت في مرادها الأجسامُ
وهكذا حال الهلال، وحالنا معه لا يحيد عن طلب العُلا، ولا تقعده عنها حشرجات بعض من تخلّفوا وتثبيطاتهم، إذ إن همة الهلال عالية وعزيمته غالبة.
وها نحن ننتظر منه اليوم ما تعودناه منه في كل عام،
نتمنى رؤيته على مقعده الثابت مع كبار القارة،
ننتظره فارساً تُرهب الفرسانَ طلّته، وتُرعبهم سطوته،
نريده كما عهدناه موسماً لأفراحنا مهما تعاظمت الآلام والجراح،
ووعداً يُجمّل أحلامنا وواقع حالنا كلما حاصرتنا الأوجاع.
نريده تلك البسمة التي ظلت ترتسم على وجوه صغارنا كلما حلّ وأينما حلّ،
نريده كما عرفناه وعايشناه وألفناه كل هذا العمر بلسمًا يداوي جراح الغربة والروح والنزوح،
وشعلة ضوءٍ مباركٍ تنير طريق الساري المدلج ليلاً بين كثبان الرمل والأراك في شرقنا،
وقد وضع الشوتال على خصره والخلال زينةً على شعره، وهو يردد في سيره بلكنة بجاوية حلوة:
أهلاً بيهو الهلال... هلا!
نتمناه كما عهدناه قمراً وضيئاً على رمل الدروب في كردفان، يبارك العيد ويهنئ بالجديد،
وكم أتمناه كما شهدته في نيالا زعيم بلدٍ وحلّال عقدٍ وداعية سلامٍ ووئام.
ننتظر أفراح الهلال وانتصاراته تبشّر بها ذوات الطوق فوق ذؤابات نخيلنا الحزين في الشمال،
وأسأل الله أن نراه كما نتمناه.
0 التعليقات:
أضف تعليقك