الجمعة 31/أكتوبر/2025

الأرض تنادي أصحابها

الأرض تنادي أصحابها
 
<><><><><><><>
الزبير نايل
على طول شارعي الرشيد وصلاح الدين وعلى امتداد الشاطئ الذي شهد مواسم الرحيل في غزة الجريحة، سلكت العائلات على أقدامها طريق العودة تحمل أطفالها ومتاعها وبقايا ذكريات.. عادت إلى ديار لم تعد كما كانت... حطام وركام أضاع ملامح المدينة.. عائلات أنهكتها رحلة النزوح وأضنتها مسافات الخوف لكنها عادت رغم الجراح.. تحملها الرغبة في الحياة والإيمان بأن الله مع الصابرين.
منازل وبنايات صارت ركاما وأزقة غطاها الغبار والرماد، ومع ذلك تعرّف عليها أهلها بأنفاس ذكرياتهم كأن الأرض تنادي أصحابها وتفتح ذراعيها لاحتضان من تبقى من أبنائها.
وهم في طريق العودة كان البعض يطأ الأرض بخفةٍ ترفقا بالشهداء تحت الثرى وحياءً من الدماء التي روت التراب... وبعض آخر خرّ ساجدا يقبل الأرض التي لم تخنه.. وأكثرهم دمعت عيونهم وهم يستنشقون رائحة التراب لعلها تعيد إليهم توازنهم النفسي وكرامتهم الإنسانية.
على الأنقاض جلسوا فرادى وجماعات يحدثون الحجارة عن الأيام المريرة التي عاشوها تحت وابل القنابل التي لم تستثن شيخا أو صغيرا لكنهم اتفقوا في صمت أن يعيدوها سيرتها الأولى وأن يقيموا حياة جديدة من بين كتل الركام.
ما أعظم الإنسان حين يتمسك بأرضه ويرفض التهجير، لأن ذلك ليس مجرد انتماء فقط بل إيمان بقدسية الجذور ووفاء للتاريخ ومقاومة صامتة للغزاة الذين هدموا الدور وظنوا أنهم يهدمون الإرادة.
هناك في بلاد النيلين.. أرض السودان التي أنهكتها الحرب وجرّت وراءها أذيال الحزن، يظل حلم العودة نداءً لا يخبو في القلوب.. قوافل تحمل معاول الإعمار وتستمد زادها من إيمانها بأن الأوطان مهما عصفت بها الحروب فإنها لا تموت ما دام أبناؤها يحلمون بها.
وفي الأفق صدى صوت شاعر العودة الفلسطيني هارون هاشم رشيد كأنه صوت الجميع:
سنرجع يوما إلى حينا
ونغرق في دافئات المُنى
سنرجع مهما يمر الزمان
وتنأى المسافات ما بيننا

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار