الجمعة 31/أكتوبر/2025

السودان يغرق فلنكن يداً واحدة

السودان يغرق فلنكن يداً واحدة

خليك دبلوماسي

محمد مأمون يوسف بدر

في مشهد يتكرر كل عام، ولكن بحدّة غير مسبوقة هذا الموسم، تجتاح الفيضانات مساحات واسعة من السودان، مما يهدد بتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية حقيقية. لقد حان الوقت لرفع الصوت عالياً، ليس عبر الدبلوماسية التقليدية فحسب، بل عبر ما يمكن تسميته بـ "دبلوماسية الصحة"، التي تجعل من معاناة الإنسان أولوية فوق أي اعتبار، وتدعو بعثاتنا الخارجية ومغتربينا إلى تضافر الجهود مع المواطنين في الداخل.

تشير التقارير الواردة من السلطات ووسائل الإعلام إلى أن الفيضانات قد أثرت على ثلاث عشرة ولاية، حيث أغرقت آلاف القرى والمنازل وشردت عشرات الآلاف من الأسر. وقد وصل عدد الأسر المتضررة إلى أكثر من 25 ألف أسرة، تضم ما يزيد على 125 ألف شخص. وفي تطور خطير، أجلى الدفاع المدني أكثر من 500 أسرة من بلدة "ود رملي" شمال العاصمة الخرطوم بعد أن اجتاحتها المياه.

لقد دمرت السيول مزارع وممتلكات، وجعلت السكان بحاجة عاجلة إلى مأوى وغذاء وأدوية، كما أعاقت حركة فرق الإغاثة، وأدت إلى تشريد العائلات التي تقع منازلها على ضفاف النيل. وفي ولاية الجزيرة أعلن مسؤولون عن تلف 1,764 فداناً من الأراضي الزراعية، مما يشكل ضربة قوية للاقتصاد المحلي.

وتشير التحليلات الفنية إلى أن إدارة سد النهضة الإثيوبي تمثل عاملاً محورياً في تفاقم الأزمة. فبعد افتتاح السد رسمياً في 9 سبتمبر وبدء عمليات تصريف كميات هائلة من المياه، فإن التفريغ العشوائي دون تنسيق كافٍ مع دول المصب يعد السبب المباشر في الفيضانات غير المسبوقة التي تجتاح السودان.

في ظل هذه الكارثة، لا مكان للصمت أو الانتظار. إن "دبلوماسية الصحة" التي ننادي بها تفرض علينا جميعاً، حكومة وشعباً، التحرك العاجل في كل الأصعدة:

  • دور البعثات الدبلوماسية:
    على بعثاتنا الخارجية أن تتحول إلى واجهات للعمل الإنساني، وتسخير كامل إمكاناتها لتعبئة الدعم الدولي، وتسهيل وصول المساعدات العاجلة من غذاء ودواء ومأوى للمناطق المنكوبة.
  • مسؤولية المغتربين السودانيين:
    ننادي أشقاءنا المغتربين بأن يكونوا سفراء لأهلهم من خلال الحملات الإغاثية، والتبرعات المادية، ونقل معاناة المواطنين للعالم، والمساهمة في جهود الإنقاذ بأي شكل ممكن.
  • تضافر الجهود:
    يجب أن تذوب كل الفوارق في بوتقة الأزمة. التعاون بين جميع الجهات الرسمية والأهلية، داخل السودان وخارجه، هو السبيل الوحيد لتخفيف المعاناة. لقد ظهرت بالفعل مبادرات شبابية محلية لوضع حواجز ترابية، لكنها تظل محدودة بسبب نقص الأدوات والإمكانات، وهذا يستدعي دعماً عاجلاً.

إن المشاهد المؤلمة لبيوت مغمورة، وأراضٍ زراعية مدمرة، وأسر مشردة في ولايات مثل النيل الأزرق، وسنار، والخرطوم، والجزيرة، هي جرس إنذار لا يمكن تجاهله. لقد كتبت من قبل، وأكتب الآن، لأنادي قبل فوات الأوان بأن تكون استجابتنا على مستوى التحدي.

"دبلوماسية الصحة" ليست شعاراً، بل هي منهج عمل يضع إنقاذ الأرواح وكرامة الإنسان في المقدمة. السودان يغرق، ووقت التضامن الفعلي هو الآن.

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار