الجمعة 31/أكتوبر/2025

الفاشر تصرخ.. ولا أحد يسمع النداء

الفاشر تصرخ.. ولا أحد يسمع النداء
 
ذكريات من قلب فاشر السلطان
رندة المعتصم أوشي
الفاشر مدينة التاريخ والعزة، فاشر السلطان التي كانت تنبض بالحياة وتفوح بالنقاء، أصبحت اليوم تحت الحصار، يلفّها الدخان وتغمرها الدموع.
أطفالها يصرخون من الخوف، ونساؤها اللواتي كنّ رمزًا للقوة والكرامة، يواجهن اليوم قسوة الحرب وحدهن، بعد أن كانت أيديهن تبني وتزرع وتنير.
عرفتُ الفاشر عن قرب... زرتها ومكثت فيها واحدًا وعشرين يومًا، كانت من أجمل وأنظف المدن السودانية.
هناك رأيت الميارم، نساء الفاشر، وهنّ صاحبات القرار، يمتهنّ كل المهن بشجاعة نادرة، حتى الشاقة منها، دون أن يفقدن أنوثتهن أو كبرياءهن.
سجّلت من شوارعها وأسواقها وأحيائها عددًا من الحلقات، وقدّمت بثًّا مباشرًا لبرنامجي «صباح الخير وبيتنا» عبر تلفزيون السودان، كما سجّلت سهرات تلفزيونية، واكتسبت ثقافة مختلفة مع مجتمع مثقف وواعٍ، برفقة الزميل المخرج محمد سفيان.
كانت الفاشر وقتها لوحة من التسامح والنقاء، لا تعرف التفرقة ولا الكراهية، مدينة تعيش فيك حتى بعد أن تغادرها.
واليوم، حين أسمع عن حصارها وعن الدماء التي تملأ طرقاتها، أشعر وكأن شيئًا في داخلي ينكسر كل مرة.
كيف تحوّلت تلك المدينة إلى رماد؟ كيف صار الناس الذين استقبلونا بالحب يودّعون بالدمع والوجع؟
وفي خضمّ هذا الألم، رحلت الزميلة آسيا خليفة، الإعلامية التي كانت تحمل صوت الحقيقة في زمن يكره الحقيقة.
استُشهدت وهي تؤدي رسالتها، رحلت لتبقى شاهدة على وجع لا يُروى، وعلى وطنٍ يتألّم بصمتٍ ولا يسمعه أحد.
سلامٌ على الفاشر الجميلة، على نسائها الصابرات، على شوارعها التي ما زالت تحفظ أصواتنا وضحكاتنا،
وسلامٌ على آسيا خليفة وكل من رحلوا وهم يحلمون بوطنٍ يليق بهم.
ستبقى الفاشر في القلب، مهما أثخنها الحصار، وستنهض يومًا من تحت الركام،
لأن مدن النقاء لا تموت، وإن نزفت ألف مرة.

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار