الجمعة 31/أكتوبر/2025

اللصوص ليسوا سراق الجيوب فقط

اللصوص ليسوا سراق الجيوب فقط


الزبير نايل

عندما نزل الكاتب الباكستاني (ميرزا أديب) من إحدى الحافلات في مدينة لاهور.. فتّش جيبه، فإذا به خاوٍ إلا من غصة: 
لقد سُرق.
لم يكن في جيبه سوى تسع روبيات، ورسالة موجهة إلى أمه، كتبها قبل أيام، لكنه ما استطاع إرسالها لضيق ذات اليد. وكانت رسالته تنضح بالألم والحب معا:
“أمي الحنون…فُصلتُ من عملي، ولا أستطيع هذا الشهر أن أرسل لك الخمسين روبية المعتادة"..
بعد أيام، وبينما ميرزا يتراوح بين الأسى والقلق، تلقى رسالة من أمه… فتحها بلهفة وقلق، يتهيأ لعبارات العتاب المر ، فإذا بها تُكتب بفرح غامر:
"ابني الحبيب.. لقد وصلتني حوالتك كالمعتاد، خمسون روبية في موعدها… كم أنت بارٌّ، لم تتأخر حتى بعد فقدانك عملك.. دعواتي لك بالتوفيق”

وقف مذهولًا، تتقاذفه علامات الاستفهام: من الذي أرسل لأمي وكيف عرف عنوانها؟
… مرت الأيام فإذا برسالة تصله تحمل في جوفها أعذب ما يُمكن أن يخطه ضمير:

" سيدي … أنا من سرق محفظتك في الحافلة… وجدت فيها تسع روبيات ورسالة لأمك. لم أستطع أن أتحمل ثقل الرسالة في جيبي… فكرت في أمي وأمك. أضفت من مدخراتي إحدى وأربعين روبية، وأرسلتها لأمك حسب العنوان في رسالتك. لم أشأ أن تبيت أمك على الطوى، وأكون أنا سبباً في وجعها. 
سامحني… "

من ثنايا هذه الواقعة التي جسدت لفتة إنسانية مبهرة، سندرك أن هناك نورا داخل كل ظلمة... وأن النبل قد ينبثق من أكثر الزوايا عتمة وأشدها قسوة ..

سنكتشف أن اللصوص الحقيقيين ليسوا هم سراق الجيوب فقط وإنما أولئك الذين يسرقون ألسنة شعبهم ويتحدثون بها زورا ويتركون خلفهم وطنا مثقوب الروح، ومثخنا بالجراح.. وأن السرقة هي السطو على مشاعر الناس وأحلامهم ونهب تطلعاتهم في الحياة ..

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار