 
            نبض الكفر
الخير فاروق 
انتهت رسميا حظوظ المنتخب السوداني في التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026، بعد التعادل السلبي مع موريتانيا في الجولة قبل الأخيرة، وفوز كلٍ من السنغال على جنوب السودان، والكونغو على توغو، ليسدل الستار على حلمٍ جديد لم يكتمل، في مشهد بات مألوفا لجماهير الكرة السودانية.
ورغم البداية الجيدة للمنتخب في التصفيات، والتي منحت مؤشرات إيجابية على إمكانية المنافسة، لتصدره مجموعته القوية لأكثر من جولة، إلا أن التراجع جاء مؤلما، فهناك عوامل عديدة لعبت دورا حاسما في هذا المصير، أبرزها ظروف الحرب، وغياب الدوري الممتاز، وعدم استقرار المعسكرات، إلى جانب طول فترة الغربة التي تجاوزت عشرة أشهر، وهي فترة كفيلة بإضعاف التركيز وتآكل الروح الجماعية لدى اللاعبين.
كما كشفت بعض المباريات عن أخطاء فردية مؤثرة، خصوصا في مركز حراسة المرمى، حيث تسبب الحارس أبو عشرين في استقبال أهداف حاسمة كلفت المنتخب نقاطا ثمينة،  كما في مواجهة جنوب السودان، ورغم ذلك ظل في موقعه دون مراجعة أو منافسة حقيقية، ويضاف إلى ذلك الخلل في الخطوط الخلفية والهجوم، ما يعكس ضعفا في سياسة الاختيارات الفنية.
وفيما يتعلق بالتشكيلة العامة، فإن اعتماد المدرب الغاني كواسي أبياه على مجموعة محدودة من اللاعبين المنتمين إلى نادٍ واحد، تحديدا الهلال، أضعف مبدأ العدالة وأفقد المنتخب تنوعه الفني، فالمنتخب الوطني يجب أن يكون مرآةً لجميع أندية السودان، لا أن يتحول إلى نسخة من نادٍ بعينه، وهو ما ولّد شعورًا بالنفور لدى جماهير الأندية الأخرى، خاصة المريخ.
لكن الحقيقة الأعمق أن الأزمة ليست في اللاعبين أو المدرب فحسب، بل في المنظومة ككل، فغياب الرؤية والتخطيط العلمي جعل الكرة السودانية تدور في حلقة مفرغة من المحاولات غير المكتملة، إن ما تحتاجه الرياضة السودانية اليوم ليس تغييرا في الجهاز الفني فقط، بل إعادة بناء شاملة تبدأ من إصلاح الاتحاد العام، ووضع إستراتيجية طويلة المدى لتأهيل المواهب الشابة من خلال مدارس أكاديمية متخصصة.
لقد انتهت صلاحية المدرب كواسي أبياه، وحان وقت الرحيل، ليس لأنه قصّر، بل لأنه قدم كل ما لديه وفقد الشغف بعد التجاهل الإداري وسوء التعامل من الاتحاد العام في فترة من الفترات، كما أن استمرار الاعتماد على اللاعبين المحترفين في ليبيا وغيرهم لم يعد مجديا، فالأموال التي تُصرف على المعسكرات والسفر والإقامة، دون مردود فني ملموس، يمكن أن تُحدث فرقا حقيقيا لو وُجّهت نحو البنية التحتية والبرامج التطويرية.
ولنا في تجربة الرأس الأخضر مثال ملهم، إذ نجحت دولة لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة في تكوين منتخب قوي ومنافس، بفضل التخطيط السليم والاستثمار في الكفاءات والمدربين الشباب، وليس مدغشقر ببعيدة.
أما في السودان، فما زال الاتحاد يكرر الأخطاء ذاتها دون مراجعة أو تقييم، وكأنه يعيش حالة من الرضا عن الفشل، بينما الجماهير تزداد إحباطا يوما بعد يوم، إن مستقبل الكرة السودانية مرهون بقرار شجاع من رجل شجاع، يضع حدا للدوران في حلقة الإخفاق، ويبدأ مشروعا كرويا حقيقيا يقوم على الشفافية والكفاءة والتدرج.
بدون ذلك، ستظل كرة القدم السودانية أسيرة الماضي، تكرر الخيبات وتدفن أحلام جماهيرها في كل تصفيات جديدة.
0 التعليقات:
أضف تعليقك