 
            بين الناس
أكرم الحلاوي
تقوم المجتمعات على الثقة المتبادلة بين أفرادها وهذه الثقة لا يمكن أن تُبنى إلا على أساس متين هو الأمانة، فإذا التزم الناس بها استقرت حياتهم واطمأنت نفوسهم، أما إذا غابت تلاشت الثقة واضطربت المعاملات وانهارت القيم، ومن هنا كانت خيانة الأمانة من أخطر ما يهدد الأفراد والجماعات، فالأمانة ليست قاصرة على حفظ المال وحده، بل هي خُلُق عظيم يشمل جميع جوانب الحياة: فهي في الكلمة، وفي العمل، وفي المسؤولية، وفي حفظ الأسرار والعهود، كما هي في الأموال والحقوق، وإذا غابت الأمانة سقطت الثقة وانهارت القيم التي يقوم عليها المجتمع.
من الجانب الديني:
جعل الإسلام الأمانة مقياساً للإيمان والصدق والوفاء قال تعالى: " وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" والأمانة في جوهرها لا تقتصر على المال فقط، بل تشمل الوفاء بالعهود، وحفظ الأسرار، وأداء الحقوق، وعلى سبيل المثال لا الحصر: قد تكون في مسؤولية يتولاها موظف، أو في كلمة يلتزم بها إنسان، أو في شراكة عمل بين شخصين أو أكثر، فالتفريط فيها يفسد الثقة ويزرع الشك بدل الطمأنينة.
وقال رسول الله ﷺ:" آيةُ المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" وهذا الحديث يبين أن خيانة الأمانة ليست مجرد معصية، بل علامة على النفاق العملي، وخطر يهدد صفاء الإيمان وصلاح القلب.
ومن الجانب القانوني:
خيانة الأمانة تُعد جريمة تختلف عن السرقة، فهي تقوم على خيانة الثقة وإساءة استعمالها لا على أخذ المال في الخفاء، وتشمل صور متعددة، وعلى سبيل المثال: الاستيلاء على الأموال بغير وجه حق، أو التلاعب بالمسؤوليات، أو إفشاء الأسرار، وقد شدد القانون على معاقبة مرتكبها بالسجن أو الغرامة أو بهما معاً، حمايةً للحقوق وصوناً للثقة واستقرار المعاملات.
نصيحة :
الأمانة ليست عبئا، بل شرف يرفع قدر الإنسان ويزرع له المحبة في القلوب، فمن عاش أميناً عاش مطمئن النفس، ومن خان خسر الثقة؛ فالمال يزول، والمناصب تفنى، لكن السمعة لا تُشترى ولا تُعوض.
ختاماً:
خيانة الأمانة ليست مجرد ضعف خُلقي، بل هي في حقيقتها جريمة دينية وقانونية، فهي تهدم القيم، وتُسقط الثقة، وتُعرض صاحبها للمساءلة في الدنيا قبل الآخرة، ومن ضيعها فقد ضيع دنياه وآخرته.
0 التعليقات:
أضف تعليقك