الجمعة 31/أكتوبر/2025

رحلة الروح بين المدن.. وتاركو عنوان الوطن

رحلة الروح بين المدن.. وتاركو عنوان الوطن
 
قاسم ميرغني محمد الحسن
سافرت كثيرًا، وكانت لكل رحلةٍ نكهتها الخاصة، ومتعتها الروحية التي تكسوها هيبةٌ مريحة، وهيبةُ المكان الذي يتبدّل، ووسيلة السفر التي تمنح التجربة روحًا مختلفة.
كثيرًا ما أجد نفسي تائه الخطى، أتمشى على أرصفة مدينةٍ غريبة، أراها أمامي كتابًا جديدًا مفتوح الصفحات، تزيّنه وجوهٌ أشتاق إلى معرفتها، أجلس إليها لأسمع حكاياتها، فتتسلسل أمامي فصول التاريخ من البدايات، تمتد عبر الأزمنة، وتحكي عن أنهارٍ وغاباتٍ وصحارى، وفي قلبها إنسان يصنع الحضارة ويشيّد المدن.
أبراجٌ تتسابق نحو السماء، وطرقٌ تنبض بالحياة، وأسواقٌ ومطاعم ومقاهٍ تحكي عن وجه المدينة النابض بالجمال والحضارة.
يضيع مني الزمن في دهشة الاكتشاف، وتغدو الرحلة حكايةً أخرى من متع الحياة.
لكن أجمل الرحلات، تلك التي تكون الطائرة فيها تحلّق بك على ارتفاع 38 ألف قدم، وأنت تتجه نحو الوطن.
هناك، حيث تتبدد الغربة، ويزهر الشوق، وتبدو لي بلادي – كما أراها دائمًا – أجمل بلاد العالم.
ففي أحضانها نمتُ وترعرعت، ومن ترابها استمددتُ معنى العزة والكرامة.
وإذا كانت تاركو للطيران قد رافقت الكثيرين في أسفارهم، فإنها لم تكن يومًا مجرد ناقلٍ جوي، بل كانت رمزًا للوطن في سمائه.
ما إن تطأ قدمك اليمنى سلم طائرتها، حتى تشعر أنك تذوق طعم الوطن وتشُمّ رائحته الأولى، وتتنفّس هواء الألفة الذي لا يشبهه هواء.
في مقصوراتها ترى شبابًا سودانيين أنيقين، وجوههم تشع طموحًا وسماحةً ووقارًا، يقدّمون الضيافة بابتسامةٍ صافية، فتشعر أنك بين أبنائك وأهلك.
ويظل السفر والترحال عشقًا منذ الصبا، أحمل حقائبي وأشدّ رحالي، فهناك أسفارٌ أعيشها، وأخرى تنتظرني، والزمن بيني وبينها أيامٌ نتسابق فيها ونتقاطع في دروب الحياة.

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار