الجمعة 31/أكتوبر/2025

سودانير.. من طائرة إلى نهضة وطنية في سماء أفريقيا

سودانير.. من طائرة إلى نهضة وطنية في سماء أفريقيا
خليك دبلوماسي
محمد مأمون يوسف بدر
 
في وقتٍ تشهد فيه سماء القارة الأفريقية نهضة طيران غير مسبوقة، تظل الخطوط الجوية السودانية "سودانير" تواجه تحدياتٍ كبيرة، حيث تقلّص أسطولها إلى طائرة واحدة فقط. هذا الواقع المؤلم يستدعي وقفة جادة وإرادة حقيقية لإعادة هذا الصرح الوطني إلى مكانته التي تليق بتاريخ السودان وموقعه الاستراتيجي.
لقد شهدت صناعة الطيران في أفريقيا تحولًا جذريًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت القارة واحدة من أكثر أسواق الطيران نموًا في العالم. وتشير التوقعات إلى أن حركة الركاب في أفريقيا من المتوقع أن تتضاعف خلال العقدين القادمين، مما يفتح آفاقًا كبيرة لشركات الطيران الأفريقية.
وفي هذا السياق، تبرز قصة نجاح الخطوط الجوية الإثيوبية كنموذجٍ ملهم يُحتذى به. فمن بداياتٍ متواضعة بأسطولٍ محدود من الطائرات القديمة، استطاعت هذه الشركة أن تتحول إلى عملاقٍ أفريقي يمتلك اليوم 147 طائرة ويحقق إيرادات بلغت 7.5 مليار دولار في العام الماضي، بزيادةٍ قدرها 8% عن عام 2024.
هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة رؤية استراتيجية واضحة، وإدارة محترفة، واستثمار جريء في البنية التحتية.
إن نهضة "سودانير" تتطلب استلهام هذه الدروس وتطوير رؤية استراتيجية شاملة، تبدأ بإصلاح الهيكل التنظيمي، وتحديث أنظمة الإدارة، والاستثمار في الكوادر البشرية الوطنية من خلال إنشاء أكاديميات متخصصة في علوم الطيران. كما أن الانضمام إلى السوق الجوية الأفريقية الموحّدة سيفتح أمام "سودانير" فرصًا كبيرة للتوسع وزيادة الربحية.
أنا لست متخصصًا في هذا المجال، ولكن هناك العديد من المهندسين الوطنيين والشركات العالمية المستعدة للاستثمار في السودان.
إن تطوير أسطول "سودانير" يجب أن يكون أولوية وطنية، من خلال الاعتماد على نماذج تمويل مبتكرة والاستفادة من الشراكات الاستراتيجية مع شركات الطيران العالمية.
كما يمكن إنشاء محفظة تمويل للطيران باعتمادٍ من بنك السودان المركزي لدعم هذا المشروع الحيوي.
كذلك فإن الاستثمار في البنية التحتية للمطارات وتحديث أنظمة الخدمات سيسهم في تعزيز القدرة التنافسية للشركة.
إن إعادة إقلاع "سودانير" ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل هي قضية سيادية ومسألة كرامة وطنية، فالناقل الجوي الوطني يمثل واجهة البلاد وعنوان تقدمها.
النجاح الذي حققته شركات طيران أفريقية أخرى يثبت أن الإرادة والرؤية الاستراتيجية قادرتان على تحويل التحديات إلى فرص، والصعوبات إلى نجاحات.
إن السودان، بموقعه الجغرافي الاستراتيجي وتاريخه العريق في مجال الطيران، مؤهل لأن يكون محورًا مهمًا في صناعة الطيران الأفريقية، لكن تحقيق هذا الطموح يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين جميعًا.
إن نهضة "سودانير" ممكنة وليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وتخطيط استراتيجي محكم، واستثمار في الإنسان والبنية التحتية.
فكما استطاعت إثيوبيا تحويل ناقلها الجوي إلى قصة نجاح أفريقية، يمكن للسودان أن يفعل الشيء نفسه، بل ويتجاوزه، مستفيدًا من موقعه وثرواته البشرية وإرثه التاريخي في مجال الطيران.

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار