الجمعة 31/أكتوبر/2025

عم ( سليمان) الإيراني وخدعة السنين

عم ( سليمان) الإيراني وخدعة السنين

الزبير نايل
في الحي الذى أقطن فيه بالدوحة (كنتين) صغير يديره إيراني انعقدت بيننا صداقة، أمازحه دوما وأناديه بالعم (سلمان) في إيماءة للصحابي الجليل سلمان الفارسي.. الجأ إليه لابتياع الأشياء الصغيرة التي لا تتطلب الذهاب إلى المجمعات الكبيرة..
كلما دخلت هذا الكنتين كأني أطأ إرثا حضاريا تالدا ، الأرفف العتيقة تفوح منها رائحة تنسرب في مسامات الروح، خليط من زعفران خراسان وتوابل وبهارات رفسنجان .. يملأ سلمان يده بحبات الفستق ويدسها في كفي إكراما لي ويكرر سؤاله المعهود عن مالآت الأوضاع بالمنطقة لأنه يعلم اشتغالي في هذا المجال ، وسلمان يضمر كرها ومقتا لليانكي ويقول إنه سبب مأساة العالم بقوته الغاشمة والظالمة..
ومما يدهش له أنك ربما تجد ( لبن الطير) في هذا الكنتين، كما يمكنك أخذ ما شئت والسداد في الوقت الذى تريده دون أن يقيد ذلك في دفتر،، عندها تيقنت أن أصحاب الحضارات تتمدد نفوسهم بحجم امبراطورياتهم ولا يطاردها الشح ولا شبح العجلة، وهذا في ظني ما أنتج عندهم عقيدة النساج ، فالإيراني يلازم الصبر حتي يحول الصوف إلى سجادة مبهرة ويعكف على لملمة مسحوق اليورانيوم وتسخينه حتى يحوله إلى كعكعة صفراء ، كما يمتد صبره لمطاردة ذبذبات الألسن كما فعل جدهم سيبويه الذي كان يصل ليله بنهاره حتى بسط علم النحو  وأصبح إماما للنحاة..  
كان يلح علي أن أجالسه لأني أطوف به أحيانا على منجزات الحضارة الفارسية وكيف رفدت البشرية بعلماء أفذاذ كانت لهم بصمة قوية في مسار الإنسانية في كافة مجالات الحياة .. كان يطرب لذلك كثيرا ويعتدل في جلسته متبسما ويضع مزيدا من الفستق أمامي …
 
ذات مرة ونحن في غمرة الحديث سألني عن عمري … بكل انشراح أجبته ..طفق ضاحكا حتى استلقى على أريكته قبالة خزانة نقوده وذكر لي في أي الأعوام ولد هو .. جحظت عيناي وتفلتُ بقايا فستق ونهضت متعثرا مغموما قلت له : يا سلمان كم كنت صبورا علي، أنا الذي في مقام عمك سامحني فقد قلبت الميزان.. واصل الضحك وانصرفت أنا في حيرة من استبداد السنين …

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار