خليك دبلوماسي
محمد مأمون يوسف بدر
 
في عالم الشعر والأغنية، توجد أعمال تتحول من مجرد كلماتٍ وألحانٍ إلى رموزٍ ثقافية تحمل في طياتها تاريخ شعبٍ ووجدان أمة. ومن بين هذه الأعمال الخالدة تطل علينا قصيدة "قطار الشوق" للشاعر السوداني المهندس علي محجوب، التي غنّاها عدد من المطربين البارزين، على رأسهم حسين شندي والبلابل.
كتب علي محجوب قصيدته مستلهمًا شوقه إلى مدينة عطبرة، تلك المدينة التي احتضنت طفولته وشبابه. لكن عبقرية النص تجلت في قدرته على تجاوز خصوصيته الجغرافية المحددة، ليصير مرآةً يعكس فيها كلُّ مهاجرٍ سوداني مشاعره تجاه مسقط رأسه، حيث تحوّل "قطار الشوق" إلى استعارةٍ قوية تعبّر عن رحلة الحنين التي يخوضها المغتربون بين الماضي والحاضر، بين الذكرى والواقع.
في القصيدة، لا يكون القطار مجرد وسيلة نقل، بل يصير حاملًا للذكريات والأحلام، ناقلًا للمشاعر عبر المسافات الشاسعة. إنه ذلك القطار الافتراضي الذي يربط المغترب بوطنه، يحمل عبير الطفولة ودفء الأهل وروائح الأماكن المألوفة، ويستحضر تفاصيل قد تبدو بسيطة لكنها تشكّل جوهر الهوية والانتماء.
لعل سرّ خلود هذه القصيدة يكمن في قدرتها على ملامسة أوتار الحساسية الإنسانية المشتركة؛ فالشوق إحساسٌ كوني، والغربة تجربةٌ إنسانية عامة، لكن القصيدة قدّمتها بملامح سودانيةٍ خالصة، تجسدت في مفرداتها وإيقاعاتها واستعاراتها المأخوذة من البيئة السودانية.
لم تعد "قطار الشوق" مجرد قصيدة، بل أصبحت ظاهرةً ثقافية، وجزءًا من الذاكرة الجمعية، حيث يجد فيها كل مغتربٍ تعبيرًا عن مشاعره التي يعجز عن صياغتها. إنها تذكيرٌ بأن الوطن ليس مجرد مكانٍ على الخريطة، بل هو نسيجٌ من الذكريات والعلاقات والروائح والأصوات، تظل حيّةً في القلب حيثما حلّ الإنسان.
وهكذا، عبر كلمات علي محجوب، يتحول الشوق من مجرد شعورٍ عابر إلى قطارٍ دائم السير، يحمل بين عرباته روح الشعب السوداني وتطلعاته، ممزوجةً بألم الفراق وأمل اللقاء.
 
              
             
          
0 التعليقات:
أضف تعليقك