الجمعة 31/أكتوبر/2025

كلب السُرة … في عوالم متباينة

كلب السُرة … في عوالم متباينة


الزبير نايل
كان يجلس بجواري في العمل بوجه شاحب وجبين مقطب وأنفاس متصاعدة توحي بثقل ما يحمل داخله.. دنوت منه بقلق:
خير إن شاء الله؟
تنهد طويلاً ثم قال:
خليها على الله.
وضعت يدي على كتفه محاولاً أن أمد له طوق دفء لانتشاله مما ظننته أزمة عائلية:
إذا الأسرة بخير فالباقي كله هين.
التفت وقال:
أعيش توتراً أفقدني التركيز… كلب العائلة مريض ورفض الأكل وأخذناه للطبيب البيطري وسحبوا له عينة ونحن ننتظر النتيجة.
تراجعت للخلف أستر ضحكة كادت تفضحني من غرابة المفارقة لكني تماسكت وصنعت ملامح الجدية وسألته:
ومنذ متى هذا؟
منذ أمس الأول ونحن على أعصابنا.
أطرقت برأسي وإذ بذاكرتي تستحضر كلاب قريتنا التي كنا نطاردها ونحرمها حتى من الظل ونُذيقها الأذى وكأنها خُلقت لتكون أداة تسلية لطفولتنا القاسية.
بعد أسبوع التقينا، ترددت في سؤاله لكني وجدت من غير اللائق تجاهل الأمر فبادرت ممازحاً:
كيف حال الكلب؟
أجابني بوجه متهلل:
أطمئنك، عاد إلى طبيعته يأكل ويشرب ويجري… والأولاد سعداء بسلامته.
توقفت عند ردة فعله رغم أن الكلب قد ضُرب به المثل في الوفاء لدرجة امتدح به الشاعر علي بن الجهم الخليفة المتوكل في بغداد:
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
وقصة أصحاب الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أعطته رمزاً للوفاء والصحبة.. وفي الغرب يعتبر أحد أفراد الأسرة ويُوفر له السكن والأكل والعلاج، لكن في ثقافتنا ارتبط في الغالب بالدناءة أو السوء في الأمثال مثل (كلب السُرة) الذي يوصف به الشخص الذي يتدخل في العلاقات بين الأفراد خاصة العاطفية أو الزوجية لإفسادها.
على كل.. هززت رأسي وقلت:
يا سبحان الله كم تتباين مقاييس القلق في هذه الحياة.. أحدهم يسهر الليل قلقاً على كلب لم يأكل وآخر يسهر الليل لأنه لا يجد ما يأكله هو وأطفاله… إنها مفارقة تكشف عالماً تتباين فيه الهموم أو لعلها حكمة الحياة أن تضعنا أمام مرآة تكشف لنا أن لكل إنسان عالمه الصغير..
نحن في الحقيقة نسكن عوالم متباينة جداً رغم أننا نعيش في كوكب واحد..

https://3ctionsport.com

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار