 
            طق خااااص
خالد ماسا
وحتى وقتٍ قريب، لم يكن متاحًا للجمهور أن يُوصِل صوته إلى مجلس الإدارة بوضوحٍ وشفافية، وتحديدًا قبل تصاعد دور الوسائط التفاعلية وأدوات الإعلام ومنصّاته المفتوحة. وكانت رغبات ومطالب الجمهور حكرًا على الأقلام التي تسكب حبرها على الورق، وفقًا لما تشتهي، ووفقًا لرغباتها التي تريد أن تصل من طبل الحروف إلى طبلة أذن مجلس الإدارة. وبالضرورة كانت مجالس الإدارة تستغل ذات الطريق لإيصال خطابها للجمهور، وبين هذا وذاك كانت المدرجات فرصةً للخطاب الجماهيري المفتوح، والبريد المستعجل بين الجمهور والإدارة.
الآن الأمور اختلفت، وصارت كلمة الجمهور ورغباته ليس بينها وبين أذن المجلس أيُّ حواجز. ولو أن بمجلس إدارة الهلال الحالي قدرًا من الفطنة، لكوَّن لجنة أو كلَّف عضوًا من أعضاء المجلس بقياس الرأي العام الهلالي، على الأقل في القضايا التي ينتخبها الرأي العام و(trend) المشهد الهلالي، لأن الأصل في مسؤوليات المجلس هو الاستجابة لرغبات وتطلعات الأمة الهلالية.
"تحليل اتجاهات الرأي" أصبح واحدًا من أهم الأدوات التي تساعد على اتخاذ القرارات لدى حكومات الدول، وبالضرورة أنه كان سيساعد مجلس إدارة نادي الهلال في بناء قاعدة بيانات تجعل قراراته تلقى الرضا والمساندة من "القوة الصلبة" في نشاط كرة القدم، وهي الجمهور. وعلى سبيل المثال، عندما قرر مجلس الهلال بداية مشروع تطوير المنصّات الإلكترونية، اختار من داخله العضو صاحب الخبرة والمعرفة بهذا المجال "عمار الزبير"، وأنا أعتقد أن "فورة" النقاشات التي صاحبت التجربة الأولى للمشروع كانت بسبب أن المشروع يتحدث بلغةٍ غير اللغة التي جاء بها الجمهور في ردّ فعله على عدم البث الجيد للقاء الجاموس، وبالتالي لم يُفضِ النقاش إلى نتائج يمكن بها الاطمئنان على مستقبل المشروع.
وكذلك نعتقد بأن "المشروع" – وهي الكلمة التي استخدمها نائب الرئيس عند التعامل مع ملف الإحلال والإبدال في الفريق، والزيادة الكبيرة في عدد المكوّن الأجنبي مقابل اللاعبين الوطنيين، والحديث عن رفع مستوى الجودة – كان يفتقد لقياس الرأي الهلالي، بل ويستبعده تمامًا من بناء المشروع، دون وضعٍ في الحسبان أن المشروع في أوقاتٍ كثيرة يحتاج إلى السند الجماهيري للفكرة ولدعمها، وتحمل صعودها وهبوطها ونكساتها، دون أن يكون هناك اختلاف جذري حول المشروع من أساسه كما يحدث الآن.
الهلال الآن في حاجة إلى "ناطقٍ رسمي" يمتلك قدرة قياس الرأي العام الهلالي، ناطقٍ "كمٌّ طويل" يعرف كيف ومتى يتحدث بلسان المجلس، ويطرح الرؤى والمشاريع والقرارات، بحيث لا يكون المتلقي الهلالي أسيرًا للأخبار المغلوطة أو التأويلات المتضاربة أو التسطيح بأنصاف المعلومات وأجندة الغير.
أيُّ متابعٍ الآن للمشهد الهلالي سيكتشف أن غالب المنازعات التي تستهلك وقت الجمهور الهلالي هي إما نتاج لمعلوماتٍ منقوصة أو لغيابها تمامًا. ولمعالجة هذا العطب في الهلال، فإن الأمر يحتاج إلى عضوٍ "حيوي" وصاحب "حسٍّ صحفي" وإعلامي، تُساعده شفافية المجلس بتوفير المعلومات، ليكون حاضرًا بإجاباته الشافية والكافية متى ما سأل الجمهور: هل ستُنقل مباراة الهلال وسيمبا الودية اليوم أم لا؟ على سبيل المثال. وكذلك الإجابة على سؤال: هل سيلعب الهلال في الدوري الجزائري أم الدوري الليبي؟ ولماذا؟ وعن الإجراءات التي اتخذها الهلال في قضية لاعبه خاديم دياو و"حدوتة" شركة Out of the Box مثلًا، دون أن يكون ذهنه مشوشًا بقصصٍ وحكاياتٍ تخص ناديه من آخرين لا يملكون ربع الحقيقة. هذا طبعًا إذا كان المجلس يضع في اعتباره قيمة الرأي العام الهلالي ويرى فيه مكمِّلًا لاجتهادات المجلس.
الثقة في الصفحة الرسمية ومدى اعتماديتها لدى جمهور الهلال تأتي بشكلٍ كبير وأساسي من طريقة تعامل المجلس مع الصفحة الرسمية، ومدى توفيرهم للإجابات على الأسئلة التي تدور في ذهن المشجع الهلالي بشكلٍ متفاعلٍ ومستمر، تأسيسًا على قراءات وتحليل الرأي العام وشواغله في الهلال، وتوفير محتوى يُغني الأذن الهلالية مشقة البحث عن الإجابات في صفحات "التكسُّب الشخصي"، ويجنّبه خفة اليد الصحفية وكل صاحب مصلحةٍ في خلق معارك جانبية لا تخص الهلال.
مجلس الإدارة في الهلال – وبالذات في هذه المرحلة – محتاج إلى ثقة الرأي العام الهلالي، وهذه الثقة يمكن أن تتحقق بمجهودٍ بسيط لو انتبه إليه المجلس في خطابٍ شفافٍ وواضحٍ يتحدث بثباتٍ وواقعيةٍ عند الإخفاقات والتقصير، ويستثمر بشكلٍ احترافي عند الانتصارات والنجاح، ويخاطب العقول ولا يتلاعب بالعواطف أو يراهن عليها. وأن يتلقى أهل الهلال الأخبار والمعلومات من مصادرها الأصيلة بدلًا من أن يتفاجأوا بها معروضةً في "كنتين" تفاعلي يكسب رزقه من إثارة الضجة والأزمات في الهلال.
الظروف الخاصة التي باعدت بين الهلال وجماهيره رفعت حساسية الجمهور ورغبته في أن يشاهد مباريات الفريق ويتابع أخباره حتى يُخفف الفجوة النفسية التي خلقها هذا التباعد، وبالتالي يحتاج لتعاملٍ مستوعبٍ لهذه الظروف، ولمجلسٍ مجتهدٍ في أن يضع الكل في الصورة.
المجلس غير محتاج لمدرسة الخطابات القديمة والحوارات المصنوعة و"الغتغتة" و"الدسديس" في الشؤون التي تخص الهلال، بل هو محتاج للوضوح الذي يُقرّبه من قاعدته الجماهيرية، ويُشركها في همومه، ويعزّز الثقة فيه وفي قراراته. وبالتالي هو يحتاج إلى صلة وصلٍ بينه وبين الجمهور، حاضرٍ ذهنيًا، يتقبّل النقد والتصويب بصدرٍ رحب، وعقلٍ متقد، وبصيرةٍ نافذة.
الجمهور الهلالي واعٍ ومستوعب، ولم يتوقف عند المحطات القديمة التي كانت تنظر إليه كمُتلقٍّ للأخبار والمعلومات. هو الآن منفتحٌ على هذا الفضاء الإعلامي والمعلوماتي، وبات يمتلك المنصّات التي يُعبّر فيها عن آرائه، ويُناقشها بكل وعي، ويحلل باحترافية المعلومات ليبني على ذلك مواقفه، التي لم تعد تُبنى على الحب والكراهية والانطباع. وما لا يتوفر له هنا يبحث ويستقصي عنه هناك. وعلى مجلس إدارة الهلال أن يفهم هذه التركيبة ويتعامل مع الرأي العام الهلالي بناءً عليها، وذلك ليُحافظ على دعم القاعدة الجماهيرية.
0 التعليقات:
أضف تعليقك