 
            
إبراهيم العمدة خوجلي / الرياض
"مستشفيات القرى تُبنى بسواعد وجهد أبنائها"، عبارة تختصر المبادرات المجتمعية التي يطلقها أهالي الريف لتشييد المراكز الصحية وتطويرها بأنفسهم. هذه الجهود تتجاوز العون المباشر لتشمل التبرعات المالية ودعم المغتربين، بما يضمن وصول الرعاية الصحية للمواطنين في القرى.
يُعد مستشفى أفطس العوامرة التخصصي بولاية الجزيرة نموذجًا حيًا لهذه المبادرات، فقد شيّده أبناء القرية بعمل جماعي متواصل وعطاء ممتد، ليؤكد قدرتهم على تحقيق التنمية الذاتية. ومنذ افتتاحه في 15/10/2022 لعب المستشفى دورًا محوريًا في سد حوجة عشرات القرى المجاورة، خاصة في الفترات التي خرجت فيها كبريات مستشفيات الولاية، بما فيها الحصاحيصا وود مدني، عن الخدمة.
المستشفى يقدم خدمات صحية متكاملة بأجهزة حديثة، ويجري داخله عدد من العمليات الجراحية المعقدة التي تتطلب عادة مستشفيات كبرى. ورغم حداثة إنشائه مقارنة بمرافق أقدم في القسم الشمالي الغربي لمشروع الجزيرة، إلا أنه سرعان ما أثبت تميزه.
غير أن المستشفى لم يسلم من آثار الحرب، إذ تعرض للنهب والسلب على يد مليشيا مسلحة قبل تحرير شمال الجزيرة، فجرّد من معظم معداته وأدواته الطبية. كما شهدت القرية أحداثًا مأساوية راح ضحيتها شهيدان، غير أن الأهالي صمدوا، وأعادوا الحياة لمستشفاهم بفضل تكاتفهم وإصرارهم.
الكوادر الطبية والعاملون بالمستشفى كانوا وما زالوا امتدادًا لمن سبقوهم، يقدّمون الرعاية الصحية بتفانٍ نابع من ضمير مهني حيّ، بعيدًا عن أي اعتبارات إدارية أو صراعات شكلية. فالطب رسالة إنسانية قبل أن يكون مهنة، وهذا ما يلمسه المرضى قبل غيرهم. لذا يستحق العاملون بالمستشفى، أطباءً وممرضين وإداريين، كل الشكر والتقدير على ما يبذلونه من جهد ووقت وتضحيات.
ما يميز مستشفى أفطس العوامرة أنه لم يكن ثمرة جهد الدولة وحدها، بل مشروعًا حمله أبناء القرية على عواتقهم، بدعم من الخيرين بالداخل والمغتربين بالخارج. هذا التلاحم المجتمعي جعل المستشفى صرحًا صحيًا حاضرًا وفاعلاً في وقت قصير.
مستشفى أفطس العوامرة التخصصي هو أكثر من مجرد مبنى طبي؛ إنه رمز لإرادة المجتمع وقدرته على مواجهة الصعاب وتحويل التحديات إلى إنجازات. إن الدور الذي لعبه وما يزال يلعبه، سواء في أوقات السلم أو في أحلك الظروف، يستحق أن يُوثّق ويُروى كقصة نجاح سودانية خالصة.
وللحديث بقية عن مواطني القرية وأبنائها الخيرين ودور المغتربين في دعم هذا المشروع الحيوي الذي صار مصدر فخر لأهله ولكل المنطقة.
0 التعليقات:
أضف تعليقك