الجمعة 31/أكتوبر/2025
مين يحاسب مين

في الصميم
حسن أحمد حسن

مين يحاسب على إهدار العمر، وعلى الصحة والنفسية التي ضاعت على ناس أبدعوا في قسوتهم علينا، خلال ما عشناه من ظروف وضغوط أيام الحرب؟
تارة بالإهمال، ومرة بعدم السؤال، وأحيانًا بالاعتذار، وأوجعها بإغلاق الجوال!
وإذا حاولت الاتصال، يأتيك الرد الآلي البارد: "هذا الرقم لا يمكن الوصول إليه حاليًا."
مين يحاسب على تحويشة العمر التي صُرفت على ناس غدّارين وناكرين للجميل؟
ناس أحببناهم بصدق، ووقفنا معهم من خيرات رزقنا الله بها، لم نتكبر، ولم نتأخر، ولم نبخل، ولم نقصّر.
لكن حين احتجناهم، وطرقنا أبوابهم في ساعة الضيق، وجدناهم متغيرين، وأبوابهم موصدة أمامنا، بل منهم من حظر أرقامنا كأننا لم نكن يومًا في حياتهم.
مين يحاسب على الفوضى والوجع الذي تراكم فينا بحجم الجبال، داخل أرواحنا التي تشققت من كثرة كتمان الشكوى والأنين؟
مين يحاسب على السنين والأيام والشهور التي قضيناها خوفًا وهلَعًا ونزوحًا؟
مرة نهرب من صوت الدانات، ومرة من صوت المسيرات، ومرة من طرق الباب لتسديد الإيجار...
ونحن لا نزال ننتظر الفرج والأمل، ولا أحد يشعر بتضحياتنا، ونحن نفني العمر نبني في قصور أوهام بأن الغد سيكون أفضل، وأن الحياة ستصبح كريمة.
مين يحاسب على التشويه النفسي والوجداني الذي انحفر في ذاكرتنا وأفكارنا، سواء التي راحت أو التي جاية؟
مين يحاسب على الحاجات الحلوة التي عملناها لقلوب جاحدة، جامدة، قاسية... ما قدّرت إخلاصنا وصدقنا ووفاءنا وتضحياتنا؟
قلوب كشفتها لنا الأيام، وأسقطت عنها الأقنعة.
مين يعوضنا عن كمّ الآلام التي عشّشت فينا، وعن الخلعة التي سكنت أجسادنا، وعن الآمال التي هدموها بأيديهم... تلك الآمال التي كنا ندّخرها لهم ليوم حاجتهم إلينا؟
مين يعوضنا عن الخسارات الفادحة التي لحقت بنا... بل عن خسارة أنفسنا؟
مين يحاسب من تسبب في كآبتنا، وحزننا، ووجعنا، وآلامنا؟
وهل هؤلاء الناس سيحاسبون أنفسهم؟ أم سيتحاسبون مع ربهم؟
هؤلاء الذين نشير إليهم، لا نستطيع ذكر أسمائهم، لكننا نسأل الله أن يثبتهم يوم السؤال... يوم لا ينفع مال ولا جاه ولا نكران.

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار