الجمعة 31/أكتوبر/2025

وتر النيل يعزف من جديد

وتر النيل يعزف من جديد
خليك دبلوماسي
محمد مأمون يوسف بدر
 
بعد ليلٍ طال ظلامه، ودمارٍ نثرت فيه الرياحُ أحلامَ شعبٍ أبيّ، ها هي بشائر الفجر تلوح في أفق السودان.
إنها ليست مجرد عودة إلى ما كان، بل صحوة روحٍ ونهضة أمة ترفض أن تُدفن حضارتها تحت ركام الحرب.
إنها إرادة الحياة التي تتجلّى في كل شارع، وفي كل قلب، وفي كل صوتٍ يرنو إلى غدٍ أفضل.
سيشرق تلفزيون السودان، وتعود إلى الحياة قناة النيل الأزرق وقناة الشروق وقناة أم درمان من جديد،
لا كشاشاتٍ باردةٍ تنقل الأخبار فحسب، بل كمنابرٍ للجمال والفرح والمعرفة،
تعيد إلى الوجدان السوداني بهاءه القديم وروحه التي لا تموت.
ستعود إلى الشاشة تلك الوجوه المألوفة، أذكر بعضًا منهم:
حمدي بدرالدين، يسريه محمد الحسن، الطيب عبدالماجد، عمر الجزولي، الفاتح الصباغ، ليلى المغربي، محجوب عبد الحفيظ،
وتلك البرامج التي كانت تطرق أبواب كل منزل، ناقلةً هموم الناس وأفراحهم، موثّقةً روح المجتمع التي لا تُقهر.
وستعود الأغنية السودانية الأصيلة، ومن قرب مقرن النيلين، هنا أم درمان، إذاعة جمهورية السودان، لتغسل جراح النفوس وتوحّد القلوب من جديد.
وفي قلب العاصمة، سيعود المسرح القومي إلى عهده الذهبي،
حيث كانت تُقدَّم أروع الأعمال التي مزجت بين الأصالة والمعاصرة.
ستمتلئ كراسيه مرة أخرى بالجمهور المتعطّش للفن الهادف،
وسيعود الممثلون والمخرجون ليرووا على خشبته حكايات الإنسان السوداني، عن صلابته وأحلامه وضحكاته التي ظنّ البعض أنها غابت إلى الأبد.
وهنا أستذكر كلمات الكاتب الأستاذ حسين خوجلي، الذي رسم بكلماته الشعرية خريطة هذا الأمل الواثق، فقال:
"وغدًا، رغم أنف النكبة، سنقوم بترميم الكمنجات المحطّمة."
إنها استعارة قوية تعبّر عن إصلاح كل ما تهدّم، ليس فقط آلات الموسيقى، بل النفوس والعلاقات والذكريات.
ويُحسن المنشدون مران الأصوات على الجميلة، فتعود حلقات الذكر والإنشاد، وتعود الألحان التي تذكّر بالله والوطن، تملأ الساحات والقلوب.
وتكتسي الساحات الخضراء بروعة الألحان والأفكار والأشعار،
حيث يصبح الفضاء العام معرضًا للإبداع وملتقى للعقول والمشاعر.
ويكتمل سهر الشوق في العيون الجميلة، فتعود السهرات الاجتماعية، وبهجة اللقاءات، ودفء الروابط الإنسانية.
ويرفع المخرج يده إيذانًا ببدء مشهدٍ جديدٍ في مسرحية الحياة السودانية،
مشهد البناء والتعمير.
إنها ليست نبوءة، بل يقين؛ فشمس السودان لا يمكن أن تظلّ مغيبة،
ونيله لا يمكن أن يتوقف عن الجريان، وإرادة أبنائه أقوى من كل دمار.
الغد قادم، وغدًا، رغم أنف النكبة، سيُبنى السودان…
ليس كما كان، بل أجمل مما كان.

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار